هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 العشق فى الظلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسين مبارك
حميداني
حميداني



عدد الرسائل : 6
تاريخ التسجيل : 08/12/2010

العشق فى الظلام Empty
مُساهمةموضوع: العشق فى الظلام   العشق فى الظلام Emptyالأربعاء ديسمبر 29, 2010 2:25 am

عندما يغلق باب المقهى لا يبقى ساهرا فوق أرض الحارة الا الخفير . لتفقد أبواب الدكاكين ، و يذهب و يجيء ما بين الميدان و ممر القرافة سائرا فى ظلام دامس متلمسا طريقه بغريزته المكتسبة من العمل و معلقا بندقيته بمنكبه و بين حين و آخر يطلق نذيره الحلق الذى يشق الظلمه .
أطلق عليه منذ بدء خدمته : "أبو الهول" بما يرمز له الاسم فى الذاكرة الشعبية من الجلال و الرهبة ، الواقع أنه ذو طول مؤثر و عرض لا يتناسب مع ذلك الطول ، أما شاربه فيقف عليه الصقر ، و أما رأسه فصغير و قلبه طيب لا يتوافق مع أغراض وظيفته ، والحق أنه مضى يهزل و برق و تتجمع فى عينيه سحابة حزن ، و تساءلت القلة التى تراه و هو يبدأ عمله الليلى عن السر . و تجرأ أحدهم فقال له :
1 لست على ما يرام يا خفير بندق .
فأجاب بغموض قائلا :
1 هى الدنيا يا معلم .
انه يعاشر الظلام ، و لا يعرف من أهل الحارة الا الراجعين قبيل الفجر من الحشاشين و السكيرين و الخباصين ، و لعله لا تصل الى مسمعيه فى صمت الليل الا الأنات الشاكية ، و قيل انه سيهزل و يهزل حتى تعجز الأعين عن رؤيته .
و لكن الأنات الشاكية لم تكن الأصوات الوحيده التى تزحم أذنيه . هناك الصوت الذى يتسلل من نافذه بدروم البيت القائم أمام السبيل
أسمعه أنين الحب و أنغامه . كل ليلة عقب عودة النجار من سهرته ، يترنح و يدندن ثم يهبط الى مسكنه ، و بعد فتره وجيزة تتسلل الأنغام من منافذ النافذة ، كل ما استطاع أ، يعرفه أن البدروم مسكن للنجار و امرأته ست بطه ، و لكنه لم يرها أبدا . انها تقضى شئونها فى غرفتها . عرفها من صوتها آخر الليل ، و لم يكن من أهل الحارة و لكنه عشق الصوت ، و هام به هياما حتى نبض فى قلبه. و تردد فى أنفاسه . يسمعه ليله بعد أخرى و يتشربه ساعة بعد أخرى و يخلق من ترنيماته و تهويماته صورة جامعة لمحاسن نساء الريف و المدن ، يناجيه فى سهرته الطويلة و يستغيث به فى وحدته ، و تجسد له مرات فحاوره و دعاه و قال له لا يعرف الألم الدفين الا خالقه و لا يغيظه شىء كما يغيظه دندنة النجار و هو عائد مترنحا . و خطر له أنه لو أعياه السطول ليله فسقط لحمله الى الداخل ليرى ست بطه .
و رن سوته فى القبر مرة و هو يغنى :
(( باسمع نغم الليل عشق الحبايب هدنى الحيل))
و أعجبه صدى صوته داخل القبو فأعاد الغناء و فاض به الحنين فتساءل :
- و ايش بعد الغناء يا بندق ؟؟
و جاء صوت من وراء باب الحصن الأثرى :
- ما بعد الغناء الا العمل ..
فارتعد متذكرا ما يقوله أهل الحارة عن سكان القبو . و لكنه تشجع ضاغطا بذراعه على بندقيته و سأل بلهجة ميرى :
2 من أنت ؟ ... كيف دخلت الحصن ؟
فأجاب بصوت باسم :
4 أنا شيطان يا خفير بندق ، و لولا الشيطان ما كان الانسان .
و سرى الصوت فى كيانه بقوة فلم يشك أنه بحضرة شيطان حقيقى . حاول أن يتلو سورة و لكن رأسه أفرغت من محفوظاتها القليلة ، و سأله مستسلما :
- ماذا تريد؟
- ماذا تريد أنت ؟؟
- ما أريد الا أداء واجبى .
- أنت كذاب .
و ترامت اليه دندنة النجار و هو راجع فخفق قلبة و قال الصوت من وراء الباب المغلق:
- أعطنى بندقيتك ...
لم يذعن و لم يرفض و لكنه شعر بالبندقية تنزع من حول منكبة . و فجاءة دوت طلقة نارية فمزقت مخالبها ستار الليل ، نام ثوان فحلم ثم صحا . و لما صحا رأى شفافية الضياء الباكر تهبط فى مركبة سماوية و رأى لمة تحيط بجثة يتدفق الدم من فيها و انكبت فوق الجثة امرأة و هى تصرخ و تبكى و تندب أبا العيال و ندت عنه حركة فاتجهت اليه الابصار و أكثر من صوت سأل :
5 من قتل الرجل يا خفير بندق ؟؟
فتراجع حتى استند الى شرفة السبيل و هو يحدق فيهم
6 لابد أنك رأيت كل شىء .. فمن قتل الرجل ؟
فأجاب بذهول :
7 قتله الشيطان ...!
و كان يرى ست بطة لأول مرة ، و لآخر مرة .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العشق فى الظلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منتدي الخواطر يشمل النثر ,,, الخواطر,,, الخ-
انتقل الى: